” الدليفري” مظلوم أم ظالم يجوب الشوارع .؟
" عبودى الدليفري" بين المخاوف و الواقعية
الدليفري
كتب / حمزة بن جبريل
شاب بمقتبل العشرين يقود دراجة نارية ، يحمل على ظهره حقيبة حفظ الطعام الساخن وتوصيل الطلبات ؛ مشهد قد لا تخلو زحام العاصمة طرابلس منه ، هو ظاهرة توصيل الطلبات ” الدليفري ” . مع انتشار المطاعم وكثرتها ، يتنافس العديد منهم على تقديم الجديد والغريب بالأطعمة المقدمة للزبون حتى لو كان بعيد عن صالة الطعام الخاصه .
هذا الانتشار الواسع اقترن بأفتتاح شركات توصيل الطاعم ، فبينما ينتظر أحدهم طعامه الساخن وهو بالمنزل أو بمكان عملة ؛ وآخر بإشارة المرور متذمر من كثرة الزحام منزعج من انتشار الدرجات النارية حوله ، يوجد شباب يراهم الجميع في كل مكان، لكن الغالبية تتعامل معهم باعتبارهم “خوذة ودراجة ومصدر ( للقلق) ” ، إنهم عمال توصيل الطلبات وأحيانًا يطلق عليهم “دليفري” لا تستوقف تفاصيل عملهم وحياتهم إلا محيطهم . لكنه محيط لا تستطيع تقدير أعداده الآن .
في كل شارع وحي وميدان في طرابلس ، شباب يعملون بتلك الشركات ” حديثة الانتشار ” . مؤهلاتهم تتراوح بين شهادات جامعية، ومعاهد عليا ومتوسطة، وشهادات مدرسية .
وفي زحام الانتشار استوقفنا ( عبد الرحمن العمارى ) الشهير ب” عبودى ” مواليد . طرابلس . 1994 . شاب أنيق سمح الابتسامة بشوش الوجه يشبه الكثير من أبناء حي ( ميزران ) العتيق الجميل ، عبودى يعمل منذ عامين بمجال توصيل الطلبات ( شركة أطلبنى ) سعيا منه لكسب المال بالحلال ؛ “فرفقنا في رحلة توصيل الطلبات ”
العمارى عامل دليفري ، عانى من البطالة لعام بعد إيقاف قيده بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية ( جامعة طرابلس ) . حين تدهورت حالته المادية عقب توقف المنحة الدراسية انسحب من المدرجات الدراسية وانحسب حلم الشهادة التي تؤهله لوظيفة في مصرف هنا أو مكتب محاسبة هناك لكن الواقع كان مختلفًا .
يقول عبودى: “تصورت أن الشهادة هي غاية المنى والأمل، لكن اكتشفت أن كلتيهما ماتت”. وهوا يضحك على النكتة السوداء التي ألقاها ويقول: “اكتشفت أن هناك الكثير مثلي، وسوق العمل لا تحتاج أكثر من عشرة بالمئة منا. وبعد عام من التمسك بأمل الوظيفة المحترمة، عملت بالدليفرى ً” .
“الوظيفة المحترمة” التي يتحدث عنها عبد الرحمن تعني العمل المكتبي. لكن العمل المكتبي ولت أيامه وانتهى عصره في رأيه، وهو ما يعترف به العمارى وزملاؤه. ورغم التسليم بأن ما درسوه لا يمت بصلة لسوق العمل واحتياجاته، فإن شكواهم تدور في إطارات صحية وتأمينية واجتماعية ومستقبلية.
هل يواجه صعوبة ..؟
عبودى عبر عن قلقه من كثرت المشاكل والصعوبات الذي يواجهها كل يوم منها عدم تعاطى المحيط بأحترام مع هذه المهنة ، مع وجود نظرة استعلاء أو شك من أحدهم قد تأثر كثيرا عليه ؛ يقول عبودى : ( أنا شاب ولد ناس وولد عائلة ونخدم باش نكسب لقمة العيش بالحلال ومانقعمزش في الشارع ونتعلم ” الحشيش” أو نخنب رزق الناس الله غاالب انا قريت وتعلمت لكن مالقيتش خدمة في مجالى قلت مانستسلمش ونخدم ونتعب ومانمد يدى لحد ونربح بالحلال ونبي من الناس تعرف ان الجايك يوصلك الطلب والله العظيم ولد ناس ومحترم زيه زيك ومتعلم غير الوقت ؛ بس احترمه وعاملة زى الناس واعرف ان الخدمة مش عيب ) . وبين هذه الكلمات التلقائية طرحنا العديد من التساؤلات : اولاً
ما أكثر الصعوبات الذي قد تواجهك؟
أجب عبودى : ( هلبااا أولها العقلية المتحجرة التتعامل مع الشاب البرانى عن شارعهم انه مش محترم أو بمعنى أنه غير خلوق أو غير أمين انه يطقطق على حوش عيلة ويمدلهم الطلبات على سبيل المثال في مرة كنت في منطقة ” س ” ونمد في الطلبية ” لبنت ” جى ولد شارعهم يتعارك معاى ويقولى شن ادير مش هكى الخدمة وصارت عركة كبيرة بينا ، ومرة تانيا كنت نوصل في طلبية لأحد المكاتب وبعد ماوصلت الطلبية الشاب مايبيش يدفع إلا نص حقها بس وصارت مشكلة مع إدارة الشركة النخدم فيها . )
هل كلها سلبية ..؟
لكن بين نبرات صوت عبودى المختنقة من كثرة المواقف منها ماذكر ومنها ماامتنع عن ذكرها . كلمة شكر للجانب الإيجابي الآخر من البعض المقدر له ولعمله الشريف ، ونظرات الإعجاب والتقدير من هؤلاء الايجابيين الذين يمدونه بكلمات الثناء والتقدير لمجهوده تحت أي ظرف كان ؛ سواء الطقس ” حرارة الصيف ، أو قسوة الشتاء ” أو الزحام أو لتحملة سلبية الغير المترجمة بنظراتهم القاسية تجاه ” الدليفري ” .
المخاوف أمنية ..
ومع الانتشار الواسع لهذة الظاهرة في ظل ظروف أمنية استثنائية تعيشها البلاد ، تسألنا عن تعاطى رجال الأمن معه مجيب عبودى : ( شوف هلبا مواقف بصراحة ممكن تصير معانا وهلبا كلام انتشر في الفترة الأخيرة عن ” الدليفري ” واستغلاله من قبل ضعاف النفوس لانتشار الآفات بين الشباب لذالك انا مقدر التشدد علينا من قبل قوات الأمن ؛ ومرة صار معاي موقف كنت ماشي نسلم طلبية وقفتني دورية شرطة وفتشوني واستجوبوني هلبا وبعدها طلقوني انا مقدر موقفهم بس “حزت” في نفسي هلبا اني نخدم باش نبعد على الحاجات هادي والشبوهات ؛ اتجيني لعندي ويتهموني بحاجات انا في الاصل هارب منها وتكون نظرت الناس هكي ليا رغم التعب والشقاء النشوف فيه كل يوم . )
الأمن والسلامة في العمل ..!!
أن مثل هذه المهن لازالت حديثة الولادة وكغيرها من المهن الحرة لا ضمان لها أو تأمين من المخاطر ، على سبيل المثال مخاطر الحوادث والتأمين الصحي للعاملين . وإصدار تراخيص تظمن للأمن محاسبة الإدارة إذا تم التخلف عن المهنة الأصل واستغلالها بشكل ” سلبي ” ( و يذكر بأن الدول الاخرى لا يسمح بالعمل إلا بتراخيص خاصة لمزاولة المهنة) بمعنى ( تقنين ) الأعمال الحرة ، ضمان للعامل والأمن المجتمعي وتعزز الرقابة حتى لا يتعرض (عبد الرحمن ) لنظرة الشك أو الخوف من الإصابة كالذي تعرض لها ، حيث ذكر في حديثه إن سيارة انحرفت فجأة صوب اليمين حيث بضعة سنتميترات بينه وبين الطريق الموازي . يقول إن زملاءه صوروا الدراجة النارية التي كان يركبها وقد تحولت حطامًا، ووجبة الأطعمة وقد تناثرت في كل مكان لتشكل وجبة فاخرة لقطط الشارع والشوارع المجاورة …
الإصابة التي خرج بها عبودي من الحادث البشع جعلته حبيس بيته لأكثر من ستة أشهر، ناهيك عن محاولة إدارة الشركة خصم ثمن الوجبات المهدرة ؛ لولا تدخل مدير الشركة السيد ( محمد عمارة ) وتعاطفه مع الشباب العاملين معه ودعمهم حتى يستمر العمل بصورة جيدة . وبعد الأشهر الستة، وجد نفسه يقود الدراجة النارية مجدداً ليجوب بها شوارع طرابلس واحيائها مسرعا لتوصيل الطلبات ساخنة لأصحابها وهوا مبتسم كالعادة متفائل رغم كل ما حكى ، و برغبة حقيقية مع أنفاس تحمل الكثير من المعاناة ؛ ناشد ” عبودى ” وكيل وزارة التعليم لشؤون التعليم العالي ، بمساعدة الشباب على تفعيل القيد الدارسي من جديد وإعادة المنحة الدراسية ليعود الشباب ليسلك درب العلم لا درب المسافات البعيدة التى لا نهاية لها . …
مسافات طويلة يقطعها ” الدليفري” في طرابلس ، آلاف الكيلومترات يقطعها شباب هربوا من البطالة إلى أحضان عالم توصيل الطلبات، لكنهم مازالوا يحملون بالإضافة إلى الطلبات ، أحلاماً وآمالاً بوضع أفضل لهم في المستقبل
وانت كيف تنظر إلى عبودي ؟ ولو انك تعمل في مجال مختلف ومهنى من الأعمال الحرة تواصل معنا وراسلنا لننشر قصتك وللحديث بقية . يتااابع….